الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال محيي الدين الدرويش: (4) سورة النساء مدنيّة وآياتها ستّ وسبعون ومائة..[سورة النساء: آية 1]: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}.اللغة: {تَسائَلُونَ} فعل مضارع، وأصله تتساءلون، فحذفت احدى التاءين، أي يسأل بعضكم بعضا.{الْأَرْحامَ} جمع رحم وهي القرابة..الإعراب: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} يا أيها: تقدم اعرابها كثيرا، والناس بدل من أي واتقوا ربكم فعل وفاعل ومفعول به {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} الذي صفة لربكم وجملة خلقكم صلة الموصول ومن نفس جار ومجرور متعلقان بخلقكم وواحدة صفة والجملة مستأنفة مسوقة لبحث بدء الخلق والتكوين {وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها} الواو حرف عطف وخلق فعل ماض ومنها جار ومجرور متعلقان بخلق وزوجها مفعول به {وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً} الواو عاطفة وبث فعل ماض ومنهما جار ومجرور متعلقان ببث ورجالا مفعول به وكثيرا صفة ونساء عطف على {رجالا} {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ} الواو عاطفة واتقوا اللّه فعل أمر والذي صفة وجملة تساءلون صلة وبه جار ومجرور متعلقان بتساءلون والأرحام عطف على اللّه وفي هذا العطف تنويه بمنزلة القرابة ووجوب البرّ بها ومراعاتها {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} الجملة تعليلية لا محل لها وإن واسمها، وجملة كان وما في حيزها خبر ان وكان فعل ماض ناقص وعليكم جار ومجرور متعلقان بـ {رقيبا} واسم كان مستتر ورقيبا خبرها..البلاغة: في الآية الآنفة فن براعة الاستهلال فقد استهل السورة بالاشارة إلى بدء الخلق والتكوين، وألمع إلى دور المرأة المهم، وأوصى بصلة الرحم. وقد حفل الشعر العربي بذكر صلة الرحم ومنزلتها عند اللّه، وحسبنا أن نشير إلى قصيدة معن بن أوس التي مطلعها:وهي قصيدة رائعة يكاد لا يخلو منها كتاب أدبي فليرجع إليها من يشاء. .[سورة النساء: آية 2]: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}.اللغة: {الْيَتامى} الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم، واليتم الانفراد.ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة، وقيل: اليتيم في الأناسي من قبل الآباء، وفي البهائم من قبل الأمهات. واليتامى جمع الجمع، فقد جمع اليتيم على يتمى كأسرى، ثم جمع يتمى على يتامى كأسرى على أسارى. ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتيم مجرى الأسماء نحو صاحب وفارس فيقال: يتائم ثم يتامى على القلب.(الحوب) يضم الحاء وفتحها: الذنب العظيم، وهو مصدر حاب حوبا وحابا..الإعراب: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} الواو يصح أن تكون استئنافية، فتكون الجملة مستأنفة مسوقة للشروع في كيفية الاتقاء وطرقه، وقدم اليتامى لكمال العناية بأمرهم. ويصح أن تكون عاطفة على ما تقدم، فيكون السرد متلاحقا. وآتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل واليتامى مفعول به أول وأموالهم مفعول به ثان {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} عطف على ما تقدم ولا ناهية وتتبدلوا فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والخبيث مفعول به والباء حرف جر والطيب وهو المتروك مجرور بها وهما متعلقان بتتبدلوا {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} الواو عاطفة ولا ناهية ونأكلوا فعل مضارع مجزوم بلا وأموالهم مفعول به والى أموالكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي مضمومة إلى أموالكم {إِنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا} ان واسمها، وجملة كان واسمها وخبرها خبر إن وجملة إن وما في حيزها تعليلية لا محل لها ولهذا كسرت همزة إن..البلاغة: في هذه الآية مواطن من البلاغة بالغة حدّ الإعجاز نلخصها فيما يلي:1- المجاز المرسل في قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} لأن اللّه سبحانه لا يأمر بإعطاء اليتامى الصغار أموالهم، فهذا غير معقول بل الواقع أن اللّه يأمر بإعطاء الأموال من بلغوا سن الرشد، بعد أن كانوا يتامى: فكلمة اليتامى هنا مجاز مرسل، لأنها استعملت في الراشدين. والعلاقة اعتبار ما كانوا عليه.2- الاستعارة المكنية بأكل أموال اليتامى. فقد شبه أموالهم بطعام يؤكل، ثم استعار لها ما هو من أبرز خصائص الطعام وهو الأكل، وفي هذه الاستعارة سرّان من أدق الأسرار:آ- إن طريق البلاغة النهي عن الأدنى تنبيها على الأعلى إذا كان المنهي عنه درجات، فكان مقتضى القانون المذكور أن ينهى عن أكل مال اليتيم من هو فقبر اليه حتى يلزم نهي الغني عنه عن طريق الأولى، فلابد من سر يوضح فائدة تخصيص الأعلى بالنهي، في هذه الآية، وذلك ما يفهم من كلمه {إلى أموالكم}، والسر في ذلك أن أكل مال اليتيم مع الغنى عنه أقبح صور الأكل فخصص بالنهي تشنيعا على من يقع فيه.ب- والسر الثاني في تخصيص الأكل لأن العرب كانت تتذمم بالإكثار من الأكل، وتعدّ من البطنة المساوية للبهيمية، فكأن آكل مال اليتيم- في حال استغنائه عنه وكثرة المال لدية- شر من أكله وهو مملق شديد الحاجة اليه، وإن اشتركا في أكل ما هو محرم، وكانا منتظمين في قرن واحد، ومعلوم أن المنهي عنه كلما كان أوغل في القبح وأفرط في الدمامة كانت النفس بطبيعة الحال أنفر عنه.3- الطباق بين الخبيث وهو الحرام من المال والطيب وهو الحلال المستساغ..[سورة النساء: الآيات 3- 4]: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}.اللغة: {تُقْسِطُوا} مضارع أقسط الرباعي، ومعناه عدل، والثلاثي معناه جار.{تَعُولُوا} من قولهم: عال الميزان إذا مال، وميزان فلان عائل، وعال الحاكم في حكمه إذا جار. وذكر أبو بكر بن العربي أن عال تأتي لسبعة معان:الأول: عال أي مال.والثاني: زاد، والثالث: جار، والرابع: افتقر. والخامس:أثقل، والسادس: قام بمئونة العيال، ومنه قوله: «وابدأ بمن تعول».والسابع: عال: أي غلب، ومنه عيل صبري. وقد وردت عال لمعان غير السبعة غير التي ذكرها ابن العربي منها: عال: اشتد وتفاقم، حكاه الجوهري، وعال الرجل في الأرض إذا ضرب فيها، حكاه الهروي. وعال إذا أعجز، حكاه الأحمر. فهذه ثلاثة معان غير السبعة. والرابعة عال: أي كثر عياله. فجملة معاني عال أحد عشر معنى، وسيأتي مزيد من بحث هذه المادة في باب الفوائد.{الصدقات} المهور، مفردها صدقة: بفتح الصاد وضم الدال.والمهر له أسماء كثيرة أيضا، منها صدقة بفتحتين، وبفتح فسكون، وصداق: بكسر الصاد وفتحها.{نِحْلَةً} مصدر نحله كذا أي أعطاه إياه هبة له عن طيب نفس.{هَنِيئًا مَرِيئًا} صفتان من هنؤ الطعام أو الشراب إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. وقيل: الهنيء ما يلذه الآكل، والمريء: ما يحمد عاقبته. وقيل لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة: المريء لمروء الطعام فيه، أي انسياغه..الإعراب: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} الواو استئنافية وإن شرطية وخفتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وأن حرف مصدري ونصب ولا نافية وتقسطوا فعل مضارع منصوب بأن والمصدر المؤوّل من أن وما في حيزها مفعول به وفي اليتامى جار ومجرور متعلقان بتقسطوا وسيأتي في باب الفوائد المراد بذلك {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} الفاء رابطة للجواب وأنكحوا فعل أمر والواو فاعل والجملة في محل جزم فعل الشرط وما اسم موصول في محل نصب مفعول به وجملة طاب لا محل لها لأنها صلة ولكم جار ومجرور متعلقان بطاب ومن النساء جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من ضمير الفاعل ومثنى وثلاث ورباع أحوال. وأعربها أبو علي الفارسي بدلا من ما وسيأتي مزيد من القول فيها في باب الفوائد {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} الفاء استئنافية وإن شرطية وخفتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وأن لا تعدلوا: المصدر المؤول مفعول به، فواحدة الفاء رابطة لجواب الشرط وواحدة مفعول به لفعل محذوف أي: فالزموا واحدة، والجملة في محل جزم جواب الشرط {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} أو حرف عطف وهي للتخيير أي من الإماء اللواتي في حوزتكم، لما في ذلك من اليسر والسهولة. وما اسم موصول معطوف على واحدة وجملة ملكت أيمانكم لا محل لها {ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا} اسم الاشارة مبتدأ وأدنى خبره والجملة استئنافية وأن لا تعولوا: المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بأدنى، أي: أقرب من العدل وعدم الجور. وللفقهاء تعليلات طريفة في الجمع بين الإماء والحرائر في السهولة واليسر، تجد منها شيئا في باب الفوائد {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً} الواو عاطفة وآتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنساء مفعول به وصدقاتهن مفعول به ثان ونحلة نصب على المصدر، لأن النحلة والإيتاء مترادفان بمعنى الإعطاء، فكأنه قيل: وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة، أي أعطوهن مهورهن عن طيبة نفس. ويجوز نصبها على الحال من المخاطبين بعد تأويلها بالمشتق، أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء، أو على الحال من {صدقاتهن} أي: منحولة معطاة عن طيبة نفس.وقيل: نحلة من اللّه أي عطية من عنده وتفضلا منه عليهن. وقيل النحلة: الملة والدين. والمعنى: آتوهن مهورهن ديانة، فتعرب عندئذ مفعولا لأجله. وإنما أوردنا هذه الاوجه لأنها متعادلة الرجحان {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْسًا} الفاء استئنافية وإن شرطية وطبن فعل ماض مبني على السكون ونون النسوة فاعل وهو في محل جزم فعل الشرط ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وعن شيء جار ومجرور متعلقان بطبن ومنه جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لشيء ونفسا تمييز {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} الفاء رابطة لجواب الشرط وكلوه فعل أمر ومفعول به وهنيئا مريئا صفتان لمصدر محذوف أي: أكلا هنيئا مريئا، أو حال من الضمير أي: كلوه وهو هنيء ومريء..البلاغة: في هذه الآية فن التغليب، فقد قال: {فانكحوا ما طاب لكم}، ولم يقل من كما هو المتبادر في استعمال من للعاقل وما.لغير العاقل تغليبا، لأن ما تأتي لصفات من يعقل، وقد وصفهن بالطيب، فصح استعمال ما، وهذا سر بديع تقيس عليه ما يرد منه، فتدبره واللّه يعصمك..الفوائد: 1- يحدث التاريخ في تعليل نزول هذه الآية أنه كان الرجل يجد اليتيمة الموسومة بالجمال والمال ويكون وليها فيتزوجها ضنا بها عن غيره، فريما اجتمعت عنده عشر منهن، فيخاف لضعفهن وفقد من يغضب لهن أن يظلمهن حقوقهن ويفرط فيما يجب لهن، فقيل لهم:إن خفتم أن لا تقسطوا- أي تعدلوا- في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم. فجاءت الآية محذرة من التورط، وأمرا بالاحتياط، وفي غيرهن مندوحة إلى الأربع.2- {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} صفات معدولة عن أعداد مكررة، ولذلك منعت من الصرف، أي: اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا. ومن طريف ما تمسك به بعض الذين ضلت عنهم أسرار العربية الشريفة من جواز التزوّج بتسعة: أنهم قالوا لأن اثنتين وثلاثة وأربعة جملتها تسعة، ولأن النبي صلى اللّه عليه وسلم مات عن تسعة. وهذا كما ترى ناشئ عن جهل بأسرار العربية المبينة، لأنك إذا قلت: جاء القوم مثنى وثلاث ورباع، معناه أنهم جاءوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، فتنصب ذلك كله على الحال. والحال هي التي تبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به. فأنت تريد أن تبين كيف كان مجيئهم، أي: لم يجيئوا جماعة ولا فرادى فاللّه سبحانه أبان ما أباحه من النكاح وأما النبي صلى اللّه عليه وسلم فإن ذلك من خواصه التي تفرد بها.هذا وقد كثر كلام أهل العربية حول العدد المعدول هل هو من الواحد إلى العشرة؟ أو هو ما نطق به القرآن الكريم فقط! قال قوم: إنه ينتهي إلى رباع، وقال آخرون: إلى سداس، وقيل: إلى عشار.وقد جاء لأبي الطيب المتنبي قوله:قالوا: إن أبا الطيب لحن في هذا البيت عدة لحنات، فقال:أحاد وسداس، ولم يسمع في الفصيح إلا مثنى وثلاث ورباع، والخلاف في خماس وسداس إلى عشار. ومنها أنه صغّر ليلة على لييلة، وإنما تصغر على لييلية. ومنها أنه صغرها، والتصغير دليل القلة، فكأنها قصيرة، ثم قال: المنوطة بالتناد ولا شيء يكون أطول منها حينئذ، فناقض آخر كلامه أوله. ولنا أن ندافع عن أبي الطيب في زعمهم عليه التناقض، لأن التصغير يأتي في كلامهم أحيانا للتعظيم كقول لبيد: فأبو الطيب قد صغّر الليل هنا للتعظيم، لأنه استطالها حتى جعلها منوطة بالتّناد. ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لعائشة:يا حميراء ويحتمل أنها صغّرت لدقتها وخفائها. ومستعظم الأمور من مستصغر الشرر. وأما قوله: أحاد وسداس، فإنه استعمل الجزء وهو واحد وست مفردين أي أنه لم يردها أحاد مكررة ولا ستا مكررة كما هو مدلول العدد المعدول، بل أراد الإفراد واستعمل فيه المعدول الدال على التكثير تجوّزا من اسم إطلاق الكل وهو أحاد وسداس في الجزء وهو واحدة واحدة وست ست. وهذا الاستعمال مجاز، والتجوّز ليس بلحن. هذا وقد ورد عشار في شعر الكميت ابن زيد وهو حجة: لماذا منعت من الصرف؟أما المذاهب المنقولة في علة منع الصرف فهي أربعة:1- قول سيبويه والخليل وأبي عمرو، وهو العدل والوصف.2- قول الفراء وهو أنها منعت للعدل والتعريف بنية الألف واللام، ومنع ظهور الألف واللام كونها في نية الاضافة.3- قول الزجاج وهو أنها معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، وأنه عدل عن التأنيث.4- ما نقله أبو الحسن عن بعض النحويين، وهو أن العلة المانعة من الصرف هي تكرار العدل فيه، لأنه عدل عن لفظ اثنين، وعدل عن معناه، وذلك أنه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة، تقول: جاءني اثنان وثلاثة، ولا يجوز: جاءني مثنى وثلاث، حتى يتقدم قبله جمع، لأن هذا الباب جعل بيانا لترتيب الفعل.فاذا قال: جاءني القوم مثنى أفاد أن ترتيب مجبئهم وقع اثنين اثنين.فأما الاعداد غير المعدولة فإنما الغرض منها الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره. ولابن هشام فصل رائع في مغني اللبيب كتبه حول هذه الآية في الباب السادس من كتابه: في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها فارجع اليه إن شئت.{هَنِيئًا مَرِيئًا} يعربان وصفا للمصدر وحال.فأما قول أبي الطيب المتنبي: فيتحتم إعرابهما حالا، لأنه ليس هناك ما يدل على المصدر الذي يصح أن يوصف بهما. والعيد فاعل هنيئا لأنها صفة مشبهة.
|